خطبة الجمعة القادمة : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 15 جمادي الأولي 1444هـ ، الموافق 9 ديسمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 ديسمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة : الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي :
(1) الإسلامُ يحثُّ على التحلِّي بالأمانةِ بكلِّ صورِهَا وأشكالِهَا.
(2) الأمانةُ صورٌ ونماذج.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «الأمانةُ صورُهَا وأثرُهُا في تحقيقِ الأمنِ المجتمعِي» بتاريخ 15 جمادي الأولى 1444 هـ = الموافق 9 ديسمبر 2022 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) الإسلامُ يحثُّ على التحلِّي بالأمانةِ بكلِّ صورِهَا وأشكالِهَا:
لقد أمرَ اللهُ – عزَّ وجلَّ- بالتحلِّي بخلقِ الأمانةِ؛ إذ هي مِن أشرفِ الفضائلِ، وأعظمِ الخصالِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها﴾، وعدَّهَا اللهُ – عزَّ وجلَّ – مِن صفاتِ المؤمنين الذين أُكرِمُوا بالجنةِ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾، ولفظُ الأمانةِ عامٌ يشملُ الأمانةَ الماديةَ مِن حفظِ الأموالِ والودائعِ، وأداءِ الحقوقِ التي تتعلقُ بالخالقِ جلَّ وعلا، والخلائقِ فيمَا بينَهُم، كما تشملُ الأشياءَ المعنويةَ، فالكلمةُ أمانةٌ، وحفظُ الأسرارِ أمانةٌ، والإلتزامُ بالعهدِ أمانةٌ… الخ فمجالاتُهَا كثيرةٌ لا يحصيهَا الحصرُ ولا تدخلُ تحتَ العدِّ، ثم جاءتْ السنةُ تؤكدُ هذا المعنَى وتقوّيه، فرغبتْ في أداءِ الأمانةِ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (أبو داود)، وبيَّنَتْ أنَّ تضييعَ الأمانةِ دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ وزعزعتِهِ في نفسِ صاحبهِ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ:«لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» (أحمد)، بل جعلتْ ذلك مِن صفاتِ المنافقين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ” (متفق عليه) .
إنَّ مِن جلالِ الأمانةِ، وعظمِ خطرِهَا أنْ عرضَهَا ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- على مخلوقاتِهِ فأبوا، وحملَهَا الإنسانُ قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ وأرجحُ الأقوالِ وأجمعُهَا في المرادِ بالأمانةِ هنا: “أنَّها التكاليفُ والفرائضُ الشرعيةُ التي كلَّفَ اللهُ بها عبادَهُ، مِن إخلاصٍ في العبادةِ، ومِن أداءٍ للطاعاتِ، ومِن محافظةٍ على آدابِ هذا الدينِ وشعائرِهِ وسننِهِ”، وسمَّى- سبحانَهٌ- ما كلفَنَا بهِ أمانةً؛ لأنَّ هذه التكاليفَ حقوقٌ أمرَنَا- سبحانَهُ- بها، وائتمنَنَا عليها، وأوجبَ علينَا مراعاتِهَا والمحافظةَ عليهَا، وأداءَهَا بدونِ إخلالٍ بشيءٍ منها .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) الأمانةُ صورٌ ونماذج:
أولًا: إخلاصُ العبادةِ للهِ – تعالى– وتحقيقُ مقاصدِهَا أمانةٌ: إنَّ الأمرَ بالإتقانِ لم يقتصرْ على جانبِ الأعمالِ الدنيويةِ فحسب، بل شملَ أمورَنَا التعبديةِ كالصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِّ … الخ، فالإنسانُ المتقنُ في أخلاقهِ هو الذي يتخلقُ بالأخلاقِ العاليةِ، ويترفعُ عن الأعمالِ الدنيئةِ، وها هو نبيُّنَا يعلمُنَا الإتقانَ في الصلاةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ السَّلَامَ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» (مسلم)، فالعباداتُ إذا لم تؤتِ ثمارَهَا، وينعكسْ أثرُهَا على الفردِ والمجتمعِ، وتظهرْ في سلوكِ الناسِ فيمَا بينَهُم، فلا قيمةَ لها ولا اعتبارَ بها، ما الفائدةُ مِن إنسانٍ يُصَلِّي ويصومُ، ويقومُ الليلَ، ولرحمِهِ قاطعٌ، ولزوجِهِ ضاربٌ، ولأموالِ الناسِ آكلٌ بالاحتكارِ والاستغالالِ.
ثانيًا: الأمانةُ بينَ الأزواجِ: إنَّ العلاقةَ الزوجيةَ يجبُ أنْ تكونَ قائمةً على المودةِ والرحمةِ قالَ ربُّنَا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، فالحياةُ لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ، لذا يجبُ على الزوجينِ أنْ يتحملَ بعضُهُمَا بعضًا، وتأملْ قولَ اللهِ تعالى: ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ تجد فيه معنًى لطيفًا دقيقًا – ما تعجزُ الأقلامُ عن رسمِه، والألسنةُ عن وصفِه- لِمَا بينَ الرجلِ وزوجهِ مِن شدةِ الاتصالِ والمودةِ، واستتارِ كلِّ واحدٍ منهما بصاحبِهِ، فاللباسُ كما يسترُ جسدَ الإنسانِ مِن تقلباتِ الحرِّ والبردِ، ومِن نظرِ الناسِ إليهِ، فكذا الزوجُ والزوجةُ كلاهُمَا سترٌ للآخرِ مِن عواصفِ الحياةِ، وأمواجِ الفتنِ، وقد تقعُ بينهُمَا أمورٌ خاصةٌ يستوجبُ عليهمَا كتمانهَا وعدمَ البوحِ بها وإلَّا ترتبَ عليهِ إخلالٌ بالقيمٍ والمثل، ولذا كان مِن عظمِ الإخلالِ بذلك ما جاءَ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (مسلم).
ثالثًا: الأمانةُ في إبداءِ النصيحةِ والمشورةِ: إنَّ الإنسانَ أحيانًا تضطرُّهُ الظروفُ والمواقفُ أنْ يلجأَ إلى مَن يستشيرُهُ أو يأخذَ برأيِ غيرِه حتى يطمئنَّ قلبُهُ، وتهدأَ نفسُهُ، ولذا جُعلَ المُستشارُ أمينًا، عليه أنْ يُدلِي بمَا فيهِ النفعُ والصوابُ لمَن ينصحُهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» (ابن ماجه) وإلا لو كتَمَ النصيحةَ فقد غشَّهُ وخانَهُ قال ﷺ: «مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ؛ فَقَدْ خَانَهُ» (أبو داود)، وقد يلحقُهُ ضررٌ أو يفوتُ عليهِ نفعٌ، وقد بيَّنَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه يحرمُ إلحاقُ الضررِ بالآخرينَ بأيِّ وسيلةٍ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (ابن ماجه)، وفي الوقتِ ذاتِه عليهِ أنْ يحفظَ سرَّهُ الذي استودَعَهُ إياهُ وحتى لو عجزَ عن تقديمِ نصيحةٍ أو مشورةٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» (الترمذي وحسنه) أي: إذا حدثَ أحدٌ عندَك حديثًا ثم غابَ صارَ حديثُهُ أمانةً عندَك، ولا يجوزُ إضاعتُهَا .
تابع/ خطبة الجمعة القادمة
رابعًا: رعايةُ الأولادِ وتعهدُهُم بالتربيةِ والحفظِ أمانةٌ: أمرَ دينُنَا الزوجينِ معًا المشاركةَ في إعدادِ وتربيةِ الأولادِ سواءٌ كان ذلك خلقيًّا، أو علميًّا، أو بدنيًّا، أو اجتماعيًّا، ولم يجعلْ المسئوليةَ ملقاةً على عاتقِ أحدهِمَا دونَ الآخرِ، قالَ تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه)، لذا يُجبُ عليهما تنشئةُ الأولادِ على القيمِ الصحيحةِ، والأخلاقِ الرفيعةِ، والعاداتِ والتقاليدِ النافعةِ، وغرسِ المعانِى الساميةِ كحبِّ الخيرِ، وأهميةِ الوقتِ وتنظيمِه، وحبِّ الأوطانِ والنهوضِ بها، والبعدِ عن رفقاءِالسوءِ، كما يجبُ أنْ نوفرَ لهم الأمانَ والاستقرارَ الأسرِي حتى نُخرجَ منهم شخصيةً نعتزُّ ونفتخرُ بها، وتكونَ طريقًا لنا للفوزِ بخيري الدنيا والآخرةِ ﴿رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً﴾ فمَنْ أهملَ الأولادَ وضيَّعَهُم فقد خانَ الأمانةَ، وجاءَ في الحديثِ:«مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (مسلم) .
خامسًا: مالُكَ وصحتُكَ ووقتُكَ، وإتقانُ عملِكَ أمانةٌ: إنَّ الوقتَ هو رأسُ مالِ الإنسانِ، ومَن فرطَ في وقتهِ ولم يستغلّهُ على الوجهِ الأمثلِ يكونُ قد خسرَ خسرانًا كبيرًا، وحُرِمَ أجرًا عظيمًا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (البخاري)، فالخاسرُ وقتَهُ إنَّمَا هو مغبونٌ كالذي يبيعُ سلعتَهُ بأقلِّ مِمّا تستحقُّ، أو يشتريَهَا بأكثرَ مِمّا تستحقُّ، والمتأملُ الآن يجدُ أنَّ الأيامَ تتسارعُ، والأزمنةَ تتلاحقُ، فهل قدّمنَا مِن الأعمالِ ما يؤهلُنَا للفوزِ برضوانِ اللهِ وما بهِ تعمرُ الحياة، وما به يخلدُ ذكرنَا .
لقد اختلفَ البشرُ في استغالالِهِم لأوقاتِهِم وصحتِهِم وأموالِهِم، فمنهُم مَن يضيعُهَا بحثًا عن شهوةٍ فانيةٍ، ومنهم مَن يعمرُ حياتَهُ بالغيبةِ والنميمةِ والقيلِ والقالِ ألَا يظنُّ هؤلاء أنَّهُم موقوفونَ محاسبونَ على تلكَ الأماناتِ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» (الترمذي وحسنه)، وقليلٌ منهم مِن عرفَ قيمةَ تلك النعمِ، فحدَّدَ هدفَهُ، وعملَ على تحسينِ قدراتِه فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:«إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوَقَّهُ» (شعب الإيمان) .
كما أنَّ إتقانَ العملِ أمانةٌ سيسألُ عنها العبدُ أمامَ ربِّهِ – عزَّ وجلَّ – فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (أَبُو يَعْلَى)، وإتقانُ الصناعةِ يسمحُ للمنتجِ بالوفاءِ بحاجةِ البشرِ، ويمكّنُهُ مِن غزوِ الأسواقِ ورواجِ الصناعةِ على أكملِ وجهٍ وأفضلِ حالٍ، وصدقَ القائلُ:
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَن طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
تابع/ خطبة الجمعة القادمة
سادسًا: علمُكَ وكلمتُكَ أمانةٌ: على مَن صدَّرَ نفسَهُ للعلمِ والفتوى أنْ يعلمَ عِظمَ الأمانة، فما حصلتْ الانحرافاتُ في المجتمعاتِ إلاَّ بسببِ التصدرِ للعلمِ مِن غيرِ المتخصصين، وقد حذَّرَ اللهُ مِن القولِ عليهِ بغيرِ علمٍ فقالَ: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال ﷺ:«مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» (أبو داود)، والكلمةُ التي نتحدثُ بها أو نرددُهَا أمانةٌ، ولذا أمرَنَا الإسلامُ ب«التثبتِ مِن الأخبارِ والشائعاتِ»، وقد أرشدَنَا ربُّنَا – عزَّ وجلَّ – إلى هذا الأدبِ وتلكَ القيمةِ فقالَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، ولا شكَّ أنَّ الاتصافَ بهذا الأدبِ فيه صيانةٌ للمجتمعاتِ مِمَّا يخلخلُ رابطتهَا، ويوهِنُ مِن صلاتِهَا، ويُضعِفُ مِن متانةٍ ووحدةِ صفِّهَا، ولذا توعدَ اللهُ هؤلاء الذين ينشرونَ الأخبارَ الكاذبةَ والشائعاتِ المغرضةَ فقالَ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً﴾، فالتعقُّلُ والتثبتُ في الأمرِ، وعدم التعجلِ في الحكمِ على الأشياءِ مِن صفاتِ أهلِ الإيمانِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَشَجِّ عَبْد الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» . (مسلم) .
سابعًا: ردُّ الحقوقِ إلى أصحابِهَا، والمحافظةُ على المالِ العامِ أمانةٌ: إنَّ مِن أعظمِ ما يُؤتمنُ عليهِ الإنسانُ الأموالَ العامة، فقد أوجبَ اللهُ حِفظَهَا كما يحفظُ الإنسانُ مالَهُ وأشد، قال ﷺ:«مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (مسلم)، وقد جعلَ التأخيرَ عن أداءِ الحقوقِ مع القدرةِ عليها ظلمًا، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» (متفق عليه)، وفي الوقتِ ذاتِهِ مدَحَ الأمينَ على أموالِ الناسِ فقال ﷺ: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ؛ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» (البخاري) .
إنَّ مَنْ توفَّرتْ فيه شروطُ الصلاحيةِ العِلميةِ والعَمليةِ والأمانةِ على تأديةِ الواجبِ الملقَى على عاتقِهِ فلا بأسَ بقبولِ تلك الأمانةِ، وقد طلبَ يوسفُ عليه السلامُ لما وجدَ مِن نفسهِ ذلك فقال على لسانِه:﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، وقالتْ ابنةُ شعيبٍ في حقِّ موسَى عليه السلامُ ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ وفي حديثِ حذيفةَ أنَّ النبيَّ ﷺ قال لأهلِ نجران: «لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ (متفق عليه)، وفي الوقتِ ذاتِهِ يمنعُ مَن لا يجد أهليتَهُ في تحملِ تلك الأمانةِ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» )مسلم) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف